إلى الشهداء: صخر مطيع العبد الله، خضر الدعار، خليل كرك:
كيف سأخلص من عتابكم أيّها العشاق؟!
ظنّوا الحياة موزونة ياصخر
وظننتُها منثورة أيها الشاعر
المعنى يتنفّس من مسامها يا خليل
ترفع الكلمات أعلاماً ملوّنة يا حضر
وتشير سهامها إليك
لكم أن تختاروا
أماكنكم في قصيدة سوريّة حرّة
يقول الشعر
وأنا جمّعتُ ايقاع أرواحكم
في قصيدة عن الدير
واختارت القذائفة نثرها
على حرّية الفرات.
00
هي الدير يا صخر
كان لنا شِعر مؤجّل فيها
لن نختلف أيّها الشاعر
الفرات يمشي موزوناً
ولكن ضفّتيه موّارتان بالخير
المياه حركيّة تصطفي خلّانها
قريباً من سطح المياه
تضع الأسماك عادة بيوضها
حيث بطّ فراتيّ يطوف
الماء غير الماء في الجريان
يتنفّس ذاكرة ينابيع واحدة
ويلبي نداء رحيل مجهول
أو يصعد ليستريح قليلاً في غيمة.
00
منثورة الحياة يا خضر
وما من صدى لصنوجها
كنتَ دليل العنفوان يا صديقي
لكنّك لم تصغ إلى قلبي
قال لك انتظر:
مازالت لي أيام ناقصة بدونكَ
منذ ثلاثين عامأ كبرنا
وضاقت علينا الأقفاص
بين صدر وعجز القصيدة
قبل أن نكتشف الحياة منثورة
كما يليق بالحلم الذي
ربّيناه بطلوع الروح
حلمنا أيّها الشهيد
شبّ على يديك
وردّد الفرات أغانيه على الشطوط.
00
وزن ثقيل تساقط على أعمارنا
أيّها الشاعر
أوزان ثقيلة بالأقدام والرؤوس
والفرات يمشي على هواه
دون أن تعرف المخافر والعسس
كم قلّدتْ قصائد نثر خطواته
مقاطع حب خالية من الايقاع
أسطح الدير الواطئة
أعشاش العصافير في ثقوب الطين
تنانير رغبات جامحة
وأرغفة تتقمّر على جمر الأشواق
والهوى بركان عاشق ساهر في الدير
والفتى الذي كنتُ
يجرجر الحارات من قلوبها
لتجلس على مصطبة حب واحدة.
00
هل عرفتَ يا خليل؟
كانت الدير متخمة بالعتابا
وتآلفت مع نثر أغانينا
وأنا لا ورائي ولا أمامي
ابن شوارع عشقْتُها
ألملم خائف الكلمات
من أفواه الناس والطيور
وأطلقها حرّة
في العرصات والجسور والمعابر
في مطبخ صغير بارد
على ضوء لمبة كاز
قرأتُ قصائد حبّ وقصصاً
لا أسوار لها
الملائكة يجتمعون حولي
والشياطين على بعد أمتار
ينتظرون فرصة معقولة للإغواء.
00
هكذا أيها القرويّ الأسمر
تشابه قلبك الأبيض مع الطحين
فتلبّكت قصيدة منثورة
وتبلّلت أوراق وردها بعرق يديك
وهي تفتّش لك
عن صدر حديقة أمين
00
الدير لا أحد فيها
ترك أطفالنا ظلالهم
أمانة في عنق "قيّالة" حارقة
قبل أن تتبخّر ضحكاتهم
ويزعل من حاله المساء
تراوغ امرأة مطعونة بأمومتها:
أين أنتم يا أولاد؟
تنادي كلّ طفل باسم طعنته
وتتلوّى من كلمة ردّدتْها
في حالات غضب: " يا مطعون"
في جسدها أكثر من طعنة
وأطفالها يلتحفون تراب حديقة
وفي معركة قلبها
ينهزم أعتى العزاء.
00
بلادنا الآن أيّها الشهداء
قصيدة منثورة البيوت والحجر
دعوني أتذكّرأمّي قليلاً
ودعوني أفكّر بمعابر مدن محاصرة
خالية سماؤها
من القذائف والدخان
بالطيور وتشنّج الأرواح
بحليب صافي النيّة
للرضّع اللاهثين
خلف حلمات جففّها الخوف
من أين أجيء بعميق النوم؟
لوطن يخرج من كابوس
ويدخل بكابوس أشرس
من أين أجيء بالجسور وخرائط النجاة
برايات وأهازيج وطبول
لفتية ينثرون
على خراب البلاد الأمل.